أرشيف

متوحش يفترس بسمة سوسن

سوسن في عمر البراعم لم يتجاوز عمرها الثامنة، تستحث الخطى وتبدي بسماتها لكل من يتحدث معها لعلها تجد من يبادلها البسمات فتتعوض عن حنان الأمومة الذي فقدته قبل ست سنوات عندما غادرت أمها هذه الدنيا متوجهة إلى عالمها الأخر تاركة سوسن لوحدها وعمرها آنذاك عامان تحن إلى عطف وحنان الأم.. ثلاثة أشقاء ووالدها هم من بقوا لها في هذا الكون.. لكنهم عاجزون عن توفير السعادة لـ سوسن، الفقر يحيط بالأسرة من كل اتجاه ويدك أمالها في حياة رغدة وهنية، وكل منهم في حاله يسعى في الأرض باحثاً عن لقمة عيش يسد بها رمقه تاركين وراءهم فتاة تسمى سوسن ترعرعت في أحضان حياة قاسية سوسن لم تشاهد نفسها يوماً تلبس فستاناً جديداً تفتخر به على أقرانها من الأطفال، ملابسها التي تغطي جسدها بالية وقديمة آتية من زمن الشقاوة.

"بوارق الزفاف"

ورغم ذلك الفقر المدقع والحياة التعيسة التي تعيشها سوسن وأسرتها تجد أخاها الأكبر قد طار قلبه نحو أسرة ثرية كان يعمل معهم بالأجر اليومي منذ أن كان صغيراً واستطاع أن يربط علاقة قوية مع إحدى فتيات تلك الأسرة الثرية..أفراد الأسرة الثرية قابلت طلب الزواج بتلك الفتاة بالرفض كونه الشقيق فقيرا ولا ينتمي إلى نسبهم، حينها أدرك أن الحل الوحيد هو الهروب بالفتاة ليلاً وحدث ذلك وخرجا ليلاً فارين إلى شيخ يعد من أكبر مشائخ القبائل على مستوى المحافظة وعندما توترت الأمور وعجز الشيخ و آخرين عن إيجاد حل لتلك المشكلة غير الموافقة على شروط أسرة الفتاة التي أصبحت في وجه الشيخ وحمايته.. وشرطهم تمثل في زفاف الطفلة سوسن إلى شقيق الفتاة الهاربة لتكون سوسن بديلة الفتاة الهاربة.

والد سوسن وشيخ القبيلة ومجموعة من تآمروا على براءة سوسن حاملين معهم حقيبة صغيرة بداخلها ما يفرح سوسن.. إنه فستان وقليل من الملابس جاءوا بتلك الحقيبة وأخرجوا ما بها وتم تسليم الفستان إلى سوسن وطلبوا رأيها في تلك الملابس.. فرحت سوسن وصرخت في وجه أبيها "هذا الفستان لي يا أبي" أجابها "نعم يا صغيرتي" ثم أخبرها أنها ستزف تلك الليلة إلى ذلك الشاب فرحت أيضاً لأنها لم تدر ماذا يحدث خلف كواليس الزواج.. النساء من حولها يزغردن ويمشين بها صوب حجرة ينتظرها فيها رجل متوحش يقوده غضبه وحقده إلى الانتقام من تلك الصغيرة التي ليس لها ذنب..

سوسن لم تكن تعلم أنها تبيت تلك الليلة في كنف وحش يبحث عن فريسة، جسدها الطاهر يرتعش من الخوف ولسانها يعجز عن الكلام.. أقبل الصباح وعادت سوسن إلى وعيها آخذة ما يغطيها من ملابسها القديمة لتغادر العش الزوجي إلى منزل والدها الذي أراد أن يرجعها إلى عش الزوجية لكنها وفي طريقها استطاعت أن تفلت من قبضة والدها لتهرب إلى شيخ القبيلة الذي هو الآخر أمر بإرجاعها إلى زوجها، الفتاة رفضت ورمت تلك الدبلة والملابس التي أعطاها إياها اليوم الأول وفضلت ملابسها المقطعة البالية القديمة وحينها تم نقلها على يد أهل الخير إلى إدارة الأمن بالمديرية لتجد نفسها مبتسمة لفسخ زواجها من هذا الشاب وإيداع زوجها ووالدها في السجن وهكذا خرجت من مأساتها ولكن بعد ماذا؟.

زر الذهاب إلى الأعلى